
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا لن تبيع الغاز “للدول غير صديقة”، إلا بالروبل بما في ذلك جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي، نتيجة لفرض عقوبات اقتصادية على بلاده جراء حربها على أوكرانيا. لقد أدت العقوبات التي استهدفت البنك المركزي الروسي إلى تجميد أصول بمئات المليارات من الدولارات، وأدت الإجراءات على الفور إلى انخفاض قيمة الروبل حيث اندفع الروس بشكل محموم نحو تحويل الروبلات التي يملكونها إلى عملة أكثر استقرارًا مثل الدولار واليورو. واتخذ البنك المركزي عدة خطوات لدعم العملة، بما في ذلك مضاعفة أسعار الفائدة إلى 20 % وسيلة لإغراء الناس بالاحتفاظ بالروبلات في البنك. وذكر الرئيس بوتن أن هذا الاجراء جاء ضمن مجموعة من الإجراءات لجعل مدفوعات امدادات الغاز بالروبل الروسي، ووجه بتنفيذ هذا الاجراء خلال أسبوع. وأدى ذلك الى ارتفاع أسعار الغاز الأوروبية بسبب المخاوف من أن تؤدي الخطوة الروسية إلى تفاقم أزمة الطاقة في المنطقة.
ومعلوم أن الدول التي اسماها بغير الصديقة دفعت في عام 2021م ما يقرب من 69 مليار دولار مقابل الغاز الوارد اليها من شركة (Gasprom) الروسية التي تملكها الحكومة الروسية، ويشير الخبراء الى أنها استراتيجية للضغط على الدول الغربية ولتخفيف أثار العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية على روسيا، وسوف تدفع هذه الدول حوالى 6-7 تريليون روبل لشراء الغاز الروسي؛ ويبدوا أن لموسكو خطط موضوعة لكيفية سداد مدفوعات الغاز بالروبل، خاصة وأن وسوف تكون أكثر من استراتيجية لتخفيف آثار العقوبات، حيث أنها من جانب أخر وضع أسس واطر للتخلص من هيمنة الدولار على العالم وتحدى هيمنة العملات الغربية الأخرى مثل اليورو والمارك والإسترليني. علما بأنه ووفقًا لشركة (Gasprom)، تمت تسوية 58٪ من مبيعاتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا ودول أخرى اعتبارًا من 27 يناير باليورو. وشكل الدولار الأمريكي حوالي 39٪ فقط من إجمالي المبيعات والجنيه الإسترليني حوالي 3٪.
واتخذ الرئيس بوتن هذه الخطوة التي لم تتوقعها الدول الغربية وهو يعلم تماما أن هذه “الدول المعادية” التي تشتري الطاقة الروسية ليس لديها خيار سوى مواصلة شراء الغاز الروسي. ولكن كيف سيتعين عليها سداد المدفوعات بالروبل، سيتعين على مشتري الغاز هؤلاء شراء العملة، إما من البنك المركزي الروسي الذي يمكن أن يوفر سيولة إضافية لأسواق الصرف الأجنبي التي من شأنها أن تمكن العملاء والبنوك الأوروبية من الحصول على الروبلات المطلوبة، أو من سوق الصرف الأجنبي، أو من خلال قبول قيمة صادراتها الى روسيا بالروبل علما بإن العقوبات الاقتصادية على روسيا تجعل مثل هذه المعاملات المالية غير قانونية. من جانب إذا تحققت خطط بيع الغاز بالروبل سوف يزيد الطلب على الروبل بشكل مطرد مما يؤدى الى استقرار سعره ويتوقف انخفاض الروبل، وظهر ذلك جليا إثر اعلان الرئيس بوتن ارتفع الروبل بنسبة 7٪ مقابل الدولار، أيضا لن يضطر البنك المركزي الروسي إلى إنفاق احتياطياته من الدولار واليورو لدعم الروبل وإدارة سعره؛ خاصة وأن أرصدة روسيا قدتم تجميدها بسبب العقوبات، وتمثل هذه الارصدة أكثر من نصف الاحتياطيات الأجنبية لروسيا؛ وربما تمتلك روسيا مستقبلا قدرات الولايات المتحدة في طباعة الدولارات المعروفة بـ “تسييل الدين” (Monetizing the debt) من خلال تزويد البنوك الكترونيا بالدولارات، وهذا الوضع والقدرات أطلق عليه الرئيس الفرنسي الأسبق “فاليري جيسكار ديستان” عندما كان وزيرا لمالية فرنسا سطوة الدولار الأمريكي أو “الامتياز باهظ الثمن” في معرض انتقاده لوضع الولايات المتحدة الذي تمتعت به نتيجة لمكانة الدولار في النظام النقدي العالمي.
من جانب آخر قد يحدث تعقيد إذا اختار البنك المركزي الروسي عدم قبول العملات الغربية بسبب احتمال تجميد مشترياته الجديدة من الدولارات أو اليورو. وفي هذه الحالي سوف تضطر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد ذلك إلى تداول هذه المدفوعات من خلال عملة وسيطة ثالثة مقبولة لدى موسكو مثل اليوان الصيني.
بعد قرار بوتين بيع الغاز الروسي بالروبل، قالت الحكومة البولندية “هذا سيشكل خرقًا لقواعد الدفع المدرجة في العقود الحالية، كما صرح وزير الاقتصاد الألماني “روبرت هابيك” لوكالة الأنباء أن ذلك سيكون خرقًا لعقود بيع الغاز، حيث أن عقود الغاز الروسية مع معظم الدول الغربية مقومة اما بالدولار أو اليورو، من جانب آخر قال “تريفور سيكورسكي” مسئول الغاز الطبيعي والفحم والكربون في شركة إنرجي أسبكتس إن تغيير عملة الدفع في العقود سيتطلب إعادة التفاوض ويمكن للمشترين طلب فترات أقصر ولن يكون ذلك في مصلحة روسيا، لكن روسيا تمثل الطرف الأقوى ولن ترضخ لذلك لضغوط مثل هذه، اذا علمنا أن الغاز الروسي يمثل حوالي 40٪ من إجمالي استهلاك أوروبا. من جانب آخر امتنعت عدة شركات، بما في ذلك شركات النفط والغاز الكبرى إيني وشل وبي بي وآر دبليو إي وأونيبر – أكبر مستورد للغاز الروسي في ألمانيا عن التعليق.
وقال “ليام بيتش” الاقتصادي الأوروبي في كابيتال إيكونوميكس: “الإجراءات التي اتخذتها روسيا قد تُفسَّر أيضًا على أنها استفزازية وقد تزيد من احتمالية تشديد الدول الغربية للعقوبات على الطاقة الروسية”.
وقالت المفوضية الأوروبية إنها تخطط لخفض اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بمقدار الثلثين هذا العام وإنهاء اعتمادها على الإمدادات الروسية ” قبل عام 2030 بكثير”.
لكن على عكس الولايات المتحدة وبريطانيا، لم تفرض دول الاتحاد الأوروبي عقوبات على قطاع الطاقة الروسي. من جانب آخر لم تعلق المفوضية الأوروبية التي تضم 27 دولة على الاجراء الروسي. وقال “هابيك” إنه سيناقش مع شركاء أوروبيين ردا محتملا على إعلان روسيا. وقال رئيس الوزراء الهولندي “مارك روته” إن هناك حاجة لمزيد من الوقت لتوضيح قرار روسيا. قال مسؤول في البيت الأبيض لرويترز إن الولايات المتحدة تتشاور مع الحلفاء بشأن هذه القضية وأن كل دولة ستتخذ قرارها الخاص. وكانت الولايات المتحدة لقد حظرت واردات الطاقة الروسية لذلك لن يصيبها القرار بضرركما سيصيب حلفاءها. لذلك ربما تمضي الاستراتيجية الروسية كما خطط له أو نشهد تنازلات اوربية وامريكية من خلال إيقاف الحرب بالضغط على الرئيس الاوكراني زيلينسكي لقبول شروط روسيا.