
قضية الأمن الغذائي قضية قديمة قدم الحضارات، فلقد شغلت البشرية لأهميتها، فإذا لم تتوفر ركائز الأمن الغذائي من إتاحة والقدرة على الوصول إليه والاستقرار، فسوف تحدث المجاعات التي تقتل الملايين، وتصيب من يبقى على قيد الحياة بمشاكل صحية مؤثرة، بالإضافة تغييرات ديمغرافية بسبب الهجرات، واضطرابات سياسية وربما حروب.
في العالم العربي وقبل أن يطلق السودان مطلع التسعينيات على نفسه (سلة غذاء العالم)، اتجهت الدول العربية المنتجة للبترول بعد حصولها على فوائض من النقد الأجنبي نتيجة لارتفاع أسعار البترول في نهاية السبعينيات نحو تبني استراتيجية عرفت باستراتيجية الأمن الغذائي العربي عام 1980م، أصبح السودان أهم شريك فيها ومثل استراتيجية (سلة الخبز)، حيث عملت الصناديق العربية على تمويل مشاريع عدة في مختلف المجالات، خاصة في البنية التحتية الأساسية. وتم توقيع عدد من الاتفاقيات التي هدفت إلى تحقيق التكامل بين الدول العربية؛ تلا استراتيجية الأمن الغذائي العربي تشكيل فريق الأمن الغذائي العربي في عام 1983م، الذي أعد 153 مشروعا للإنتاج السلع الغذائية، التي غطت 13 بلدا عربيا، وفي عام 2006م أقرت قمة الرياض استراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة لعقدين قادمين من الزمان، وقدم السودان مساحات واسعة من الأراضي لكل من سوريا والأردن ودولة الإمارات، كما نسق مع مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية لإقامة مشروعات زراعية لإنتاج السلع الغذائية في السودان، بما في ذلك إنشاء البنى التحتية الأساسية اللازمة للمشروعات، بالإضافة إلى شراكات مع شركات خاصة من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية؛ واجهت تلك الجهود معوقات أثرت سلبا على نتائجها ومخرجاتها أبرزها انعدام الإرادة، وتردى المناخ الاستثماري، ضعف التشريعات والقوانين والفساد، والبنى التحتية الأساسية، ومعوقات انتقال رأس المال وعوامل الإنتاج لأسباب سياسية، ومن الملاحظ أن تلك المشروعات في نجاحها وديمومتها يرتبط بالأوضاع السياسية الإقليمية والدولية، كما أن اتجاهات الدول العربية في المنطقة تغيرت وأصبحت أكثر ميلا للتدخل الإقليمي في المنطقة في ظل تنافس سياسي وعسكري شديد بينها ونشاهد ذلك الآن في السودان والصومال وليبيا وسوريا واليمن وتونس، بالإضافة إلى أن الدول العربية أصبحت أكثر ميلا إلى اتخاذ سياسات منفردة لتحقيق الأمن الغذائي، وكل الاتفاقات الجماعية يوازيها ويتغلب عليها سياسات أكثر انغلاقا.
كل المتفائلين كانوا يأملون أن تخرج قمة الجزائر بنتائج قوية فيما يخص الأمن الغذائي العربي خاصة باشتعال الحرب الأوكرانية؛ رغم أن القيمة انعقدت تحت شعار “لم الشمل”، لكن يبدون أنه كان لكل دولة عربية جدول أعمال خاص وأهداف تناسب مصالحها الخاصة، وظهر ذلك جليا في بيان القيمة الختامي وغياب دول عربية مؤثرة أبرزها الدول التي طبعت علاقتها مع العدو الإسرائيلي أو تلك الدول التي تسعى إلى عدم إعطاء فرصة لتلعب الجزائر دورا يحقق لها نفوذا إقليميا على خلفية وضعها العالمي كمصدر للغاز الطبيعي، وإذا نجحت في إعادة سوريا إلى محيطها الإقليمي. ورغم أزمة وندرة الحبوب وارتفاع التضخم والمخاوف بشأن الطاقة، كانت الدول العربية في أمس الحاجة إلى إظهار قدرتها على التماسك والتضامن، وهو الأمر الذي لم يظهر منذ بداية الأزمة، ويظهر جليا أن الحديث عن الأمن الغذائي العربي كان هامشيا ولم تكن هناك نية وإرادة فعليه للسير نحو مشروعات الأمن الغذائي العربي، حيث جاء في بيان القمة العربية الختامي في ثالث “التأكيد على أهمية تضافر الجهود من أجل تعزيز القدرات العربية الجماعية في مجال الاستجابة للتحديات المطروحة على الأمن الغذائي والصحي والطاقة ومواجهة التغيرات المناخية، مع التنويه بضرورة تطوير آليات التعاون لمؤسسة العمل العربي في هذه المجالات”.
وهي إشارة عامة وهامشية للأمن الغذائي العربي لإكمال مخرجات القيمة؛ وبحسب مسؤول قبل القيمة أن التحدي الأساسي التمويل، أشار إلى أن المقترح بإنشاء صندوق استثمار في الأمن الغذائي العربي بقيمة 70 مليار دولار، لكن نسمع عن القيمة مخرجات حول هذا الصندوق.
لم يكن الأمن الغذائي العربي قضية مهمة لكل الدول التي يعول عليها والتي حققت إيرادات من ارتفاع أسعار الطاقة، ولم يكن الوضع مطابقا للعام 1980م، حيث تغيرات اتجاهات الاستثمار وطبيعته، حيث كانت مصر واحدة من وجهات الاستثمار الإقليمية الرئيسية لكل من دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية وشملت تلك الاستثمارات البنية التحتية والتطوير العقاري والاتصالات والتكنولوجيا، وهذه الاتجاهات الاستثمارية تبين موقع وأهمية الأمن الغذائي العربي. أيضا ظهر (خبراء) أبان القمة أرسلوا إشارات سالبه جدا عن أهم دولة في مجال الأمن الغذائي العربي ربما لتوجيه الأنظار للاستثمار نحو دولة أخرى تواجه مشاكل اقتصادية ونقدية. كما ينظر إلى السودان سلة غذاء العالم بأنها دولة غير مستقرة سياسيا، وتأخر الاستقرار السياسي فيها في هذه المرحلة أعطى إشارات سالب لما سيؤول إليه الوضع مستقبلا، بالإضافة إلى عمل القوى السياسية التي حكمت بعد نجاح الثورة ضد الرئيس البشير إلى إعطاء مؤشرات سالبة ضد المستثمرين الأجانب خاصة العرب منهم مما أضر بتلك المشروعات ورفع من نسبة مخاطر الاستثمار وقلل من عوائدها، حيث تم تدمير تلك المشروعات جزئيا وواجهت حملات إعلامية ممنهجة ضدها مما اضطر بعضها إلى الانتقال إلى دول أكثر استقرارا.
من جانب آخر وهو مهم جدا، وهو أن الدول الآسيوية تتصدر قائمة المنتجين الرئيسيين في العالم إنتاج المنتجات الزراعية، وتعتبر الهند من أكبر منتجي الأرز في العالم حيث تنتج حوالي 20٪ من إجمالي الإنتاج العالمي، بالإضافة إلى أنها تحتل المرتبة الثانية بعد تايلاند في إنتاج الحبوب، وتحتل المرتبة الثالثة عالمياً في إنتاج القمح بعد الاتحاد الأوروبي والصين حيث تنتج حوالي 89 مليون طن متري من القمح. يذكر أن أربع دول تنتج معظم غذاء العالم هي، الصين، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل، وهي أيضًا من حيث المساحة تأتي ضمن أكبر عشر دول في العالم.
ونشير الى أن الأسواق على سبيل في منطقة الخليج تخلو من المنتجات الزراعية (لسلة غذاء العالم) بمختلف أنواعها ووجودها يكاد يكون معدوم؛ فهل شعارات الأمن الغذائيوالاتفاقيات ومؤسسات التمويل العربية والصناديق كانت ولا زالت مجرد شعارات، يبدو أن تلك الشعارات وتطبيقها مجرد سراب بقيعة ؟